سحل الهوية

سحل الهوية

 

بعد ثلاثة عقود عشتها متابعا لما حولي بشئ اعتقده من النضج بدا يلوح لي نتيجة ما يخططه اعداؤنا للنيل منا بعيدا عن الكيد التقليدى والحروب المباشرة

اسموها حروب الجيل الثالث والرابع وربما الخامس وتعنى الحروب من منظور اخر يعمل علي التسطيح للنشئ الصغير من بعومة اظافرهم فينشأون نشأة غريبة عن الوطن والواقع الذي يعيشونه – فنتج عن ذلك جيل معظمه مشوه فكريا ونفسيا بعيد كل البعد عن الانتماء لوطنه ومحيطه وما يحياه

 بداية من التفكك الاسري الملحوظ وغياب القدوة وتأكل الروابط الاجتماعية بل وقطع الرحم الذي بات يعتبره الكثير من مخلفات الماضي

ومن اشد النكبات التى نتجت عن ذلك ضعف الانتماء للوطن فنجد الشباب قوة الوطن ووقوده يهربون اذا المت باوطانهم ملمات ونكبات الزمن وكنا في بداية عمرنا نقرأ عن ابطال سجل التاريخ اسمائهم بأحرف من نور في سجل الخالدين وفاء لما قدموا وبذلوا لاوطانهم

أين الشباب الان من هؤلاء الشموع التى اضاءت لنا نورا بوقود دمائهم وسطروا بدمائهم الذكية احرف من نور سيظل التاريخ يذكرها مهما مر الزمن

اصبحت ترى الشباب لا يابهون بما يحدث لاسرهم واهلهم ويتخلون عن واجبهم نحو والديهم وبات العقوق سمة لا يتألم من انينها الناس

نعم لقد نجحوا

نحن المخطئون وليس غيرنا لاننا اتبعنا منهج التقليد السهل وعطلنا الفكرومشتملاته فبداية من تحريف لغتنا العربية وعوج السنتنا بلغة جديدة هى اقبح منتجات هذا العصر الي انتشار انواع من الموضات في الازياء التى باتت تظهر اكثر مما تستر فمن البنطلون الساقط وانواع قصات الشعر المخلة برجولة من يفضلونها

الي انتشار الوشم بتفاصيل هى اغرب ما يكون عن مجتماعتنا وقيمنا الغائبة عنا بايدينا كثير هى تلك الملحوظات التى تراها كل يوم وفي كل مكان ومن خلال كثير من المشاهدات في بلداننا العربية لا يتخلف الحال كثيرا في اى بلد عربي فالعدوى والفيروس واحد

 أسئلة حائرة كثيرة .. ما تزال تطرح نفسها علينا منذ سنوات دون إجابة، ولكن أعراض المرض ما تزال تصدمنا يمينا ويسارا، نلمحها في وجوه شباب لم نعد نقدر على تصنيفه، أهو منّا أم لا يعرفنا.. يحمل تراثنا أم لم يسمع عنه

الشارع في أي من مجتمعاتنا الإسلامية أصبح لا يعرف الطريق الوسط، دائما هناك فريقان يمشي كل واحد منهما في ضفة من ضفتي الشارع.. فريق أغلق النوافذ والأبواب، عملاً بحكمة توصي بإغلاق كل باب يأتي منه الريح، وفريق آخر، ترك داره، وقرر أن يبيت في العراء نهبًا لعوامل التعرية التي تنحت دينه وخلقه وتراثه ولغته.. وثيابه

المشاهد متكررة، ويمكن لأي واحد منا أن يمر بنفس التجربة إذا كلف نفسه عناء النزول إلى الشارع والسير على ضفتي الطريق ليرى شبابنا المنقسم على نفسه في موقفه من كل ما هو حديث ووافد في زمن صارت العولمة فيه مرادفة لكلمة التغريب، والثقافة العالمية لا تعبر إلا عن ثقافة الغرب وقيمه

أزمة الهوية

من الملاحظ أن الشباب يعاني من أزمة الهوية والتي لها أسباب منها : سرعة التغيير حيث يتغير العالم بصفة عامة بسرعة كبيرة في كل مناحي الحياة، ومن ثم فإن الشباب مصاب ببلبلة وتشتت وعدم قدرة على التكيف مع هذه المتغيرات تكنولوجياً واقتصادياً واجتماعياً

ومن أسباب أزمة الهوية أيضًا التشتت النفسي بين الهوية والخصوصية وبين الحضارات الغربية وقيمها ورموزها وطريقة حياة الشعوب فيها، وأدى ذلك إلى تنازع في الهويات في ظل الهوية العالمية التي تموج بها المؤثرات الخارجية عبر وسائل الإعلام المختلفة

العودة للأصول

اعتقد ويعتقد كثيرون غيري أن السبب الرئيسي في انحراف الشباب وتأثرهم بالوافد يرجع إلى غياب التربية الإسلامية والدور التربوي للمدرسة والجامعة ، وفقد وسائل الإعلام لدورها وعدم قيامها بالدور المطلوب فيها من حيث التوجيه والتوعية لهؤلاء الشباب

وإذا وقفنا أمام وسائل مثل التلفزيون والإذاعة والصحافة نجدها هي التي كرست لهذا الغزو الثقافي المجنون، وهي التي دعت إليه ونادت به عن طريق دعواتها إلى الأفكار الغربية وتبنيها للفلسفات الأوربية بدافع التقدم ومواكبة الحضارة، وسبب ذلك يرجع إلى أن وسائل الإعلام هذه يقوم عليها مسؤولون متغربون، ورصيدهم من الثقافة العربية والإسلامية فقير أو معدوم فعلا، ولذلك فهم يرددون الأفكار الغربية ويدعون إليها حتى لو كانت تحمل جراثيم فتاكة لمجتمعنا الشرقي المسلم

واعتقد ان العلاج  لهذه الافات التى باتت تفتك بشبابنا هذه الايام  - يتمثل في العودة الفورية والحاسمة للدين واستلهام عاداتنا وتقاليدنا منه حتى يصلح الميزان ونخرج من هذه التبعية الاجتماعية والروحية بوعي وفهم، وخاصة أن ديننا الحنيف يدعو إلى التقدم والتحضر وليس دين تخلف ورجعية كما يروج له البعض

آفة التقليد

أن الغزو الثقافي الآن لا يأتي من دولة واحدة، بل يأتي من عدة دول وعدة ثقافات بعكس ما كان سائدا من خلال الثقافة الشيوعية والرأسمالية، حيث كنا نقول هذا شاب شيوعي أو رأسمالي، فالآن أصبحنا لا نستطيع أن نصنف ثقافة الشباب.

والعالم الآن لا يغزونا إلا بالسلبيات من خلال الأفلام والمسلسلات، وهو إعلام موجه وراءه جهاز إعلامي كبير على مستوى عالمي، والشباب الذي لا يقف ليفكر فيما يشاهده يندفع بصورة عشوائية للتقليد لتصبح الأمور أكثر خطورة، لدرجة أنني رأيت للأسف شابا يلبس "إيشارباً" لأنه رأى شابا أجنبيا يلبس هذا الزي، ولا يعرف هذا الشاب أن الأجانب الذين يقلدهم هم مدمنون لنوع خاص من المخدرات تأتي على شكل طوابع كطوابع البريد تلصق على الجبهة، ودور الإيشارب هنا هو إخفاء هذا الطابع المخدر

والحل ببساطة من وجهة نظرى هو ما يجب ان تقوم به الدول من خلال عمليات إصلاح شاملة للمؤسسات التي يتعرض لها الشباب مثل النوادي الرياضية والإعلام المرئي والمقروء ونشر الأفكار الصحيحة من خلال الاستعانة بخبرات المتخصصين في ذلك

ومن الحلول الضرورية أيضا لهذه المشكلة القضاء على البطالة التي تستنفذ قدرات الشباب وتجعلهم فريسة لهذا التقليد الأعمى الإعلام الأجنبية، وحتى تستطيع جذب شبابنا إليها وغرس القيم والمبادئ الصالحة في نفوسهم وتربيتهم عليها، كما يجب أن تتبنى أجهزتنا الإعلامية قضية الأمن الثقافي التي تحافظ على هويتنا الثقافية وعاداتنا وتقاليدنامن خلال تضييع أوقاتهم أمام الفضائيات الأجنبية وأمام شاشات الكمبيوتر عبر شبكة الإنترنت

كما يبقى عامل الدين والتدين أمرا غاية في الخطورة والأهمية لأنه يمثل خط الدفاع الأول في عملية إصلاح الشباب

كما ان هناك ضرورة عاجله وملحة لاعداد كوادر إعلامية قادرة على صنع رسائل إعلامية قوية تسحب البساط من تحت أقدام وسائل