ماهي العصبية عند ابن خلدون ؟

ماهي العصبية عند ابن خلدون ؟

 
???? العصبية في فكر ابن خلدون تشير إلى مفهوم هام في علم الاجتماع والتاريخ الذي قام بتطويره في كتابه "المقدمة" (المعروف أيضًا بـ "مقدمة ابن خلدون")، والذي كتب في القرن الرابع عشر. العصبية عند ابن خلدون تشير إلى التلاشي التدريجي للروح والحيوية في المجتمع بمرور الوقت.
طبيعي متأصل في النفس البشرية ، باعتبار الإنسان مجبولا على الخير والشر معا ، على التعاون والعدوان ، فقيام الحياة الاجتماعية يتطلب ضرورة وجود وازع ، والوازع عند ابن خلدون هو الحاكم وهو بمقتضى الطبيعة البشرية الملك القاهر المتحكم ، بمعنى وجود سلطة تحفظ للمجتمع تماسكه وتعمل على تقوية التعاون بين أفراده وكبح عدوان بعضهم على بعض ، ويقول ابن خلدون " واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع وهو الحاكم عليهم ، وهو بمقتضى الطبيعة البشرية الملك القاهر المتحكم".
4. الوظائف الاجتماعية للعصبية :1
يرى ابن خلدون أن الوظائف الاجتماعية للعصبية هي:
1- تؤدي إلى تنظيم علاقات القبيلة في الداخل والخارج ، أي بين أفراد القبيلة الواحدة من جهة ، وبين أفراد القبيلة والقبائل الأخرى من جهة ثانية ، أي أنها تكون الإطار التنظيمي لأهل العصبيات ، فتتأطر بموجبها العلاقات الاجتماعية كافة .
2- تؤدي العصبية إلى التعاون بين أهل العصبية الواحدة من جهة ، وأهل العصبيات المتحالفة من جهة أخرى ، ويبدو ذلك في دفع العدوان ، أو القيام به من أجل تحقيق مصلحة مشتركة ، أي أنها الوسيلة الوحيدة لهذا التعاون ، لعدم توافر أية وسيلة أخرى في ظل الأوضاع السائدة في المجتمع القبلي .
3- تؤدي إلى حفظ كيان القبيلة ، أي كيان المجتمع القبلي بالمحافظة على بنائه الاجتماعي من خلال التضامن ، والتكتل ، ومجابهة الصراع الذي هو صراع وجود ، نظرا لقساوة الظروف الطبيعية ، وضآلة الإنتاج ، فيصبح الصراع أمرا طبيعيا من أجل حفظ كيان القبيلة من الانقراض والذوبان ، أي أنها تحفظ استقلالية المجتمع القبلي في نهاية الأمر.
4- تحافظ العصبية على شجرة النسب من خلال التلاحم العصبي الذي يكون أقوى في النسب القريب منه في النسب البعيد ، رغم تأكيد ابن خلدون على أن النسب أمر "وهمي" لكنه مع ذلك يعتبر حقيقة واقعة في المجتمع القبلي.
5- تقوم العصبية باعتبارها أساس التطور الاجتماعي بتدعيم المساواة بين أفرادها في الحقوق والواجبات ، وإلغاء التمايز الطبقي من حيث المبدأ العام ، وإن وجد تمايز في المكان الاجتماعية ، إنما يعود ذلك لما يقدمه الفرد نحو أهله أكثر من غيره ، فهي تدعم " الغيرية " على حساب " الذاتية " أي ذوبان الأنا في سبيل الأناء العصبي . وبموجبها يتأطر سلم القيم من شجاعة ، وكرم ، وخلال حميدة ، أي أنها تسير أخلاق المجتمع القبلي في نهاية الأمر ، وتكون ناجحة إذا عملت على إحلال العلاقات التعاونية والتضامنية محل العلاقات التنافسية بين أهل العصبية.
5. الوظيفة السياسية للعصبية :2
ـ يرى ابن خلدون أن للعصبية وظيفة سياسية ، وهي الوصول إلى الملك والاحتفاظ به ، أي بناء الدولة ، وهي وظيفة تلتقي اليوم مع وظيفة الأحزاب السياسية التي جوهر عملها وهدفها الوصول إلى السلطة ، ويقرر ابن خلدون " أن الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك " مبينا سبب ذلك " أن الآدميين بالطبيعة الإنسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع يحكم بعضهم عن بعض ، فلابد أن يكون متغلبا عليهم بتلك العصبية ، فالتغلب الملكي غاية العصبية .
ويرى أن وظيفة العصبية تتمثل في صد العدوان ، لأن الطبيعة الإنسانية تنزع إلى العدوان بالفطرة لذا كان لابد من وازع أي حاكم ، ولا شك أن مسألة الوازع قد أولاها ابن خلدون اهتماما كبيرا ، انطلاقا من نظريته المتكاملة عن العصبية ، إذ ينظر إلى الوازع نظرة ثنائية انسجاما مع تقسيمه للعمران البشري إلى نوعين : العمران البدوي ، والعمران الحضري ، ولكل منهما وازع خاص لصد العدوان ،
فهو يرى أن أحياء البدو معرضة إلى نوعين من العدوان :
1. العدوان الداخلي : ومصدره من داخل القبيلة ، أي اعتداء أفرادها على بعضهم ، فالوازع لهذا العدوان يكون من قبل أكابرهم ومشايخهم ، لما لهم من الوقار والاحترام عند قومهم ، وهذا نابع من مكانتهم المميزة لدى قومهم.
2. العدوان الخارجي : ومصدره من خارج القبيلة كالغزو أو ما في معناه ، فالوازع لهذا العدوان يكون من قبل شجعان القبيلة ، وأما حللهم فيذود عنها حامية الحي من أنجادهم وفتيانهم المعروفين بالشجاعة.
أي أن السلطة ـ الحكم ـ لا يكون إلا بالعصبية ، غير أن ابن خلدون يوضح بأن السلطة لا تكون إلا للعصبية القوية من أجل التغلب على العصائب الأخرى لكي تلتحم معها فتشكل في النهاية عصبية واحدة كبرى ـ عصبية مركبة ـ وإذا لم تتوافر لها مثل هذه القوة القاهرة ، فإنها لن تصل إلى السلطة " فلا بد من عصبية تكون أقوى من جميعها تغلبها وتستتبعها وتلتحم جميع العصبيات فيها ، وتصير كأنها عصبية واحدة كبرى ، وإلا وقع الافتراق المفضي إلى الاختلاف والتنازع.
ويرى ابن خلدون أن العصبية الحاكمة لا تبقى قوية ، وإنما تنتهي ، وتقوم على أنقاضها عصبية أخرى قوية ، وهذه بدورها تضعف وتقوم مقامها أخرى وهكذا دواليك ، أي أن العصبية لا تبقى على قوتها الأولى ، وإنما يعتريها الوهن الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الدولة ، وبزوالها تزول الدولة .
ويعلل ابن خلدون ضعف الدولة ثم زوالها بضعف عصبيتها ـ أي العصبية الحاكمة ـ وذلك باستبعاد أهل العصبية والانفراد بالمجد والانغماس في الترف والنعيم مما يؤذن بزوالها ، ويقرر ذلك " فلا يزال الملك ملجأ في الأمة إلى أن تنكسر سورة العصبية منها أو يفنى سائر عشائرها " .
6. ترجع أسباب ضعف الدولة التي هي أسباب ضعف العصبية إلى ما يلي :رابعا
1. سعة الملك مع عدم توافر العدد الكافي من أهل العصبية لتسيير دفة الحكم ، الأمر الذي يضعف سيطرة المركز على الأطراف ، فيستعين من أجل ذلك بقوم من خارج أهل عصبته .
2. التناصر والاختلاف على الحكم بين أهل العصبة ، فيأخذ الحاكم بالانفراد بالمجد والتنكر لقومه ، مما يؤدي إلى ضعف عصبيتهم ، لأن العصبية في هذه الحالة لم تحقق شرط قوتها ، وهو المصلحة العامة المشتركة ، والتلازم بين أهل العصبة الواحدة ، مما يؤدي إلى ظهور عصبات مطالبة بالحكم ، مما يحول دون استقرار الدولة .
3. انغماس الحاكم في الملذات والترف والتبذير ، والركون إلى الدعة من العوامل التي تؤذن بفساد العصبية ، ويقعدها عن تأدية وظيفتها ، حيث يعتقد ابن خلدون أن ذلك ينسيهم حالة " التوحش " الذي يعتبره من المقومات الأساسية من أجل انبثاق العصبية القوية.
4. وجود عصبية مناهضة أقوى من العصبية الحاكمة تقوم بالمطالبة بالملك ، وإلا فإن الضعف قد يطول ، وحين تدخل الدولة في مرحلة الهرم ، تعمل الظروف المصاحبة لهرم الدولة على إيقاظ الوعي العصبي لدى أهل العصبات المضطهدة انطلاقا من وعيهم للضغط الاقتصادي الذي يهدد كيانهم ، فتتوحد عصبياتهم في عصبية واحدة ثائرة