كوشنر.... صهر ترامب… سايكس بيكو القرن الحادي والعشرين .

كوشنر.... صهر ترامب… سايكس بيكو القرن الحادي والعشرين .


من يقرأ التاريخ بعين البصيرة لا يمكن أن يغفل عن التشابه المدهش بين مشهدين يفصل بينهما قرن من الزمان:
الأول في بدايات القرن العشرين عندما جلس الدبلوماسيان البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو يرسمان خرائط المشرق العربي على أنقاض الدولة العثمانية،
والثاني في بدايات القرن الحادي والعشرين عندما برز اسم جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليلعب الدور نفسه ولكن بأدوات مختلفة — دبلوماسية ناعمة، صفقات اقتصادية، وتحالفات تطبيعية جديدة مع انحياز واضح جدا لاسرائيل
المفارقة التاريخية أن سايكس وبيكو قسّما الجغرافيا، بينما كوشنر أعاد تقسيم الولاءات والمصالح تحت شعار "صفقة القرن". لم يستخدم المسطرة والقلم، بل استخدم رأس المال، والإعلام، ومؤسسات النفوذ الاقتصادي لتشكيل شرق أوسط بمقاسات الرؤية الأمريكية والإسرائيلية الجديدة
لقد جاءت "الصفقة" بديلاً للحدود، و"التحالفات" بديلاً للهويات، فغدت الخريطة السياسية للأمة أكثر انقسامًا وإن بدت أكثر تواصلاً ظاهريًا.في زمن سايكس بيكو، كانت قوة القهر الإمبراطوري هي التي فرضت معادلات السيطرة، وكان التمهيد لميلاد اسرائيل الدولة التى كانت بأدوات الخيانة والتدليس
أما في زمن كوشنر فالقهر جاء مغلفًا بلغة التنمية والاستثمار.ويؤطر لقوة وتنامي اسرائيل واذرعها المتنامية عبر وكلائها وحلفائها
فكما رسم الأولون حدودًا للفصل بين الشعوب، يرسم الأخير خرائط جديدة للفصل بين الحقائق والمصالح، بين التاريخ والمستقبل، بين الهوية والمصلحة
وإن كان سايكس وبيكو قد مزقا وحدة الأرض، واصطنعا حدودا بين الأشقاء فإن كوشنر مزق وحدة الموقف والمصير أيضا للأخوة والأشقاء وحتى الأبناء
قد يبدو المشهد مغايرًا في الأسلوب، لكنه متقاطع في الجوهر. ففي الحالتين نحن أمام مشروع غربي يستهدف إعادة صياغة المشرق العربي بما يخدم موازين قوى لا تهدف إلى الاستقرار بقدر ما تهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة "إدارة أزمة" دائمة. ومع ذلك، يبقى السؤال المركزي: هل يمكن للعرب اليوم، بعد مرور مئة عام على سايكس بيكو، أن يدركوا أن التاريخ يعيد نفسه — هذه المرة بربطة عنق أمريكية وبابتسامة دبلوماسية محسوبة؟
إن ما يفعله كوشنر ليس مجرد وساطة سياسية، بل هو هندسة جيوسياسية ناعمة مدبرة تدبيرا متقنا بمساعدة العملاء
تتسلل عبر الاقتصاد والدبلوماسية الرقمية إلى قلب الوعي العربي
سطر مهم :
هنا تكمن الخطورة؛ لأن الهيمنة لم تعد تحتاج إلى جيوش، بل إلى مشاريع استثمارية عابرة للحدود تُعيد تشكيل الوعي قبل الجغرافيا