متي تدير افريقيا ظهرها للمستعمرين ؟؟

متي تدير افريقيا ظهرها للمستعمرين ؟؟

 

خلال اواخر القرن ال١٩ والقرن العشرين استحوذت الدول الأوروبية كبريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا على ما يقرب من 90% من الأراضي الأفريقية. ارتبط هذا التكالب الاستعماري باعتقاد قوي بأن المستقبل الاقتصادي، وبالتالي السياسي، لأي بلد صناعي يتوقف على السيطرة الحصرية على أسواقه ومواده الخام.
ومنذ أن نالت غالبية الدول الأفريقية استقلالها السياسي في منتصف القرن العشرين، ظلّت القارة السمراء حبيسة شبكة معقدة مدروسة بعناية ومكر شديد من النفوذ الخارجي الذي يفرض عليها أشكالًا جديدة من الاستعمار غير المباشر. فالمستعمر القديم غادر افريقيا عسكريًا، لكنه لم يغادر اقتصاديًا ولا ثقافيًا ولا حتى أمنيًا. اليوم، وبعد مرور أكثر من ستة عقود على لحظة التحرر الشكلي، يظل السؤال ملحًّا: متى تدير أفريقيا ظهرها للمستعمرين وتبني استقلالها الفعلي؟

ان أفريقيا، القارة الغنية بالموارد الطبيعية، والشابة بالطاقات البشرية، والفريدة بتنوعها الثقافي والحضاري، ما زالت – رغم مرور عقود طويلة على الاستقلال السياسي – تعيش في قبضة المستعمر القديم بأشكال جديدة من السيطرة. فالاستعمار لم يرحل حقًا، بل غيّر جلده، وبدّل وسائله، وانتقل من الاحتلال العسكري المباشر إلى الاستغلال الاقتصادي، ومن رفع الأعلام الأجنبية على العواصم إلى رفع شعارات الاستثمار والمساعدات والقروض المقيّدة.

لقد آن لأفريقيا أن تدير ظهرها للمستعمرين، ليس بالكلمات والخطب، بل بالفعل والإرادة. فالتحرر الحقيقي لا يقاس بإلغاء القواعد العسكرية ولا بالاحتفال بأيام الاستقلال، وإنما بقدرة الشعوب على صياغة قرارها السيادي في السياسة والاقتصاد، والتحكم في مواردها، وبناء أنظمة حكم رشيدة تقطع الطريق أمام الفساد والارتهان للخارج.

المستعمر القديم ما زال ينهب المعادن الأفريقية، ويستحوذ على النفط والذهب واليورانيوم، حتي العقول الافريقية فتحوا امامها ابواب الهجره ليعمروا بلادهم تاركين للشعوب الفقر والجوع والنزاعات. وما زال يصدر إليها السلاح مقابل أن تستورد منه الغذاء، وكأنه يريد إبقاءها أسيرةً للفوضى والتبعية. لكن أفريقيا تملك في المقابل قوة بشرية شابة تمثل أكثر من 60% من سكانها، وأراضي زراعية تكفي لإطعام نصف العالم، وموقعًا استراتيجيًا يجعلها قلب التجارة الدولية.

إن إدارة الظهر للمستعمرين تعني:
• التحرر من التبعية الاقتصادية عبر تعزيز التكامل الإقليمي الأفريقي، وتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية.
• التحكم في الثروات الطبيعية بحيث تُستخرج وتُصنّع داخل القارة قبل أن تُصدر خامًا للأجانب.
• بناء أنظمة سياسية رشيدة توقف الحروب الأهلية التي طالما غذّاها الاستعمار الجديد لإبقاء القارة ضعيفة.
• الاستثمار في التعليم والبحث العلمي حتى تتحول الطاقات البشرية إلى قوة إنتاج وإبداع، لا مجرد أيدٍ عاملة رخيصة.
• تنويع الشراكات الدولية بحيث لا تبقى أفريقيا أسيرة الغرب، بل تنفتح على تجارب آسيا وأمريكا اللاتينية وتبني شراكات نديّة تحفظ كرامتها.

السؤال الحقيقي ليس “متى” فقط، بل “كيف”. فإذا قررت أفريقيا أن زمن الاستعمار قد انتهى فعليًا، وأن زمن الاستغلال الجديد لن يطول، فإنها ستدير ظهرها للمستعمرين بوعي وثبات. وعندها ستكتب القارة السمراء فصلًا جديدًا في التاريخ، فصلًا تصنع فيه قرارها بيدها، وتبني مستقبلها بإرادتها، بعيدًا عن الوصاية والهيمنة