سودان واحد.. من الخرطوم إلى الفاشر، نداء للسلام
- كتب عبدالعاطى المناعي
 - حين دوّت أولى طلقات الحرب في الخرطوم، لم أكن مجرد شاهدٍ على بدايتها؛ كنتُ بين اصحابي وزملائي وبين أروقة مجمعي الطبي وسط الخرطوم التي تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى جبهةٍ من نوعٍ آخر. لم أطبّب المرضى فحسب، بل ضمّدت جراح وطنٍ ينزف من أطرافه، وطنٍ يتألم بصمتٍ كما يتألم الجريحٌ يرفض أن يصرخ خشية أن يُضعف من حوله.لم تكن الأيام التي قضيتها هناك سوى ومضاتٍ من رد واجب لكل من التقيت بهم علي مدار ١٥ عاما ولارواح اصدقائي السودانيين الذين غادرونا منذ سنوات 
بقيت مطببا بقدر استطاعتي بين أصوات القصف وصدى البكاء. كنت أتمنى أن أظلّ إلى جانبهم، بين زملائي والمحتاجين، أشاركهم الخبز والخوف والأمل، ولكن للقدر كلمته، فكانت المغادرة أقسى من الإقامة. غادرت الخرطوم بجسدٍ مبتعدٍ، لكن قلبي ظلّ عالقاً هناك، عند مواطن إصابته دانة لجأ إلي عيادتى فاوقفت نزيفه وهو يبتسم،ممتنا لوجودى معهم وبينهم وعند أمٍ لجأت لي بابنها المريض وعند مغادرتها كانت قد خبأت دعاءها في حقيبتي حين ودّعتني وانا استعد للمغادرة
ومن بعيد، كنت أتابع عبر الشاشات كل ما يجري — أرقامٌ تتحوّل إلى وجوه أعرفها، شوارعٌ أعرف رائحتها أصبحت خرائطَ للوجع. وجاءت أحداث الفاشر لتعيد إلى السطح المي وحزنى الشديد لما حدث ويحدث لهذا البلد الكريم العظيم
واعادت احداث الفاشر المؤلمة الي بالي سؤال قديم: إلى متى يدفع السودان ثمن صمته الطويل؟
اتمني السلام للسودان فهو ليس حلماً بعيداً، بل استحقاقٌ لبلدٍ قدّم ما يكفي من الدموع والدماء. أرفع يدي بالدعاء، وأكتب كما كنت أضمّد الجراح: علّ الكلمة تُخفف ما لم تفعله الضمادات.سلامٌ على الخرطوم... وسلامٌ على الفاشر... وسلامٌ على كلّ يدٍ لا تزال، رغم الرماد، تتمسّك بخيط الوطن.