احنا كبرنا والعيال كبرت. وهمٌ يُطفئ شعلة الحياة الزوجية

احنا كبرنا والعيال كبرت. وهمٌ يُطفئ شعلة الحياة الزوجية


"احنا كبرنا والعيال كبرت" عبارة تتردد كثيرًا على ألسنة الأزواج والزوجات بعد مرور سنوات طويلة من الزواج، لكنها في الحقيقة ليست مجرد كلمات عابرة، بل تحمل في طياتها معاني مؤلمة، تُعلن عن تراجع دفء العلاقة الزوجية، وانسحاب أحد الطرفين أو كليهما من مساحة الودّ والحميمية الجسدية التي كانت تجمعهما.
إنها عبارة تختصر استسلامًا نفسيًا واجتماعيًا أكثر مما تعبّر عن حقيقة بيولوجية. فالتقدّم في العمر لا يعني انتهاء القدرة على الحب أو التقرّب أو التعبير الجسدي عن المودة، بل هو بداية مرحلة نضج في العلاقة، يمكن أن تكون أكثر هدوءًا وصدقًا من فترات الشباب المندفعة. لكنّ البعض، بدافع الخجل أو العادات أو اليأس، يضعون حاجزًا بينهم وبين الاستمرار في حياتهم الزوجية الطبيعية، وكأنّ العلاقة الحميمة ترفٌ خاص بسنّ معينة، أو شأنٌ لا يليق بالكبار.
في الحقيقة، هذا التوقف غير المبرّر يظلم الطرفين معًا. فالزوجة لا تفقد حاجتها إلى الحنان والاهتمام لمجرد أنها أصبحت "أمًّا"،او جدة كما أن الزوج لا يفقد رغبته في الشعور بالقبول والتقدير لمجرد أنه صار "أبًا". او جدا ان الجسد يحتاج إلى المودة مثلما يحتاج القلب إلى الأمان، والعلاقة الزوجية ليست فقط استجابة جسدية، بل لغة حبّ وتواصل نفسي وروحي يزداد بتقدم السن وتزداد قيمتها مع الايام
عندما يُغلق الزوجان هذا الباب بمقولة "كبرنا"، فإنهما يبدآن رحلة صمت وجفاف عاطفي تسرق من بيتهما الدفء، وتفتح المجال للبعد النفسي وربما للخيانة الفكرية أو العاطفية. فالعلاقة الحميمة ليست مجرد فعل جسدي، بل هي صمام أمان للاستقرار، وتجديدٌ للعهد بالمحبة، وتذكيرٌ بأن الحياة ما زالت تنبض بينهما.
الخطأ الأكبر هو أن يُربط الحبّ بالشباب فقط. فالحبّ لا يعرف عمراً، والرغبة في القرب لا تتقاعد. كثير من الأزواج في مراحل متقدمة من العمر يعيشون حياة زوجية متجددة وصحية لأنهم لم يستسلموا لفكرة "الشيخوخة العاطفية". بل أدركوا أن استمرار العلاقة الحميمة — ولو بوتيرة أهدأ — يحافظ على التوازن النفسي، ويقلل من التوتر والاكتئاب، بل ويقوّي المناعة ويحسّن جودة الحياة.
إنّ الأجمل في العلاقة الزوجية بعد الستين أو السبعين، أنها تصبح أكثر صدقًا وعمقًا. لم تعد مدفوعة بالغرائز وحدها، بل محمولة على المودة والرحمة، كما أرادها الله تعالى حين قال: "وجعل بينكم مودة ورحمة". هذه المودة لا تنتهي بتجاعيد الوجه، بل تكبر كلما ازداد الوعي بقيمة الشريك.
لذلك، فإن مقولة "احنا كبرنا والعيال كبرت" يجب أن تُمحى من القاموس الأسري، لأنها تُنهي مرحلة جميلة من التواصل، وتزرع الجفاء في القلوب دون سبب. فالحب لا يشيخ، ومن حق الزوجين أن يظلا عاشقين مدى الحياة، ما دامت الأرواح تنبض، والقلوب قادرة على العطاء.
فالحياة الزوجية ليست سباقًا في العمر، بل رحلة من الودّ تمتد حتى آخر العمر.
لكن ربما يحدث عزوف عند كبار السن عن العلاقة الزوجية بسبب مزيج من العوامل الجسدية (مثل التغيرات الهرمونية، الأمراض المزمنة، وتأثير الأدوية) والنفسية (مثل الاكتئاب، القلق، التوتر، وفقدان الثقة بالنفس ) حينها يكون من المهم جدًا استشارة طبيب لفهم الأسباب المحددة ومعالجتها، حيث يمكن لبعض المشكلات أن تتحسن من خلال العلاجات الطبية أو تغييرات في نمط الحياة.