أثر الاستشفاء البيئي على جودة الحياة

دكتور عبدالعاطي المناعي 

رئيس مجلس امناء المؤسسة الافرواسيوية للسياحةالعلاجية والاستشفاء البيئي
في عصر تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتزايد فيه الضغوط النفسية والجسدية، أصبح البحث عن وسائل طبيعية وآمنة لاستعادة الصحة والتوازن مطلبًا عالميًا. من بين هذه الوسائل، برز مفهوم الاستشفاء البيئي كأحد الاتجاهات الحديثة التي تجمع بين العلاج الطبي التقليدي وقوة الطبيعة في تحسين جودة الحياة.
يعرف الاستشفاء البيئي بأنه استخدام عناصر البيئة الطبيعية – من هواء نقي، ومياه معدنية، او مياه كبريتية ودفن في الرمال وأشعة شمس، ومناخ معتدل، ومناظر طبيعية – بهدف تعزيز الصحة الجسدية والنفسية، والوقاية من الأمراض، أو حتى المساهمة في علاجها.
الاستشفاء البيئي:-

• الاستشفاء البيئي هو ممارسة علاجية واستشفائية تعتمد على التواجد في بيئات طبيعية مختارة بعناية، بهدف الاستفادة من خصائصها الاستشفائية الموثقة علميًا. قد يشمل ذلك:
  • الاستشفاء بالمياه (الينابيع الحارة أو الباردة).
  • العلاج بالمناخ (الهواء الجبلي، أو الساحلي).
  • العلاج بالطين الطبي (Mud Therapy).
  • العلاج بضوء الشمس (Heliotherapy).
  • الاستشفاء بالغابات (Forest Bathing).
• جذور المفهوم:-
• يعود تاريخ الاستشفاء البيئي إلى آلاف السنين، حيث عرف المصريون القدماء واليونانيون والرومان قيمة المياه المعدنية والشمس في الشفاء، وأقاموا الحمامات العامة والمنتجعات بجوار الينابيع الطبيعية. كما أن الحضارة الإسلامية طورت حمامات الاستشفاء كجزء من ثقافة النظافة والوقاية الصحية.
• عناصر الاستشفاء البيئي وتأثيرها على الصحة:-
• الهواء النقي:-
  • يساهم في تحسين وظيفة الرئتين، وتقوية جهاز المناعة.
  • يقلل من مستويات التوتر ويحسن صفاء الذهن.
  • يرفع مستويات الأكسجين في الدم، مما يعزز الطاقة والنشاط.

المياه الكبريتية والمالحة:-
• غنية بالأملاح والمعادن المفيدة مثل المغنيسيوم والكالسيوم.
• لها دور في تخفيف آلام المفاصل والروماتيزم.
• تعزز الدورة الدموية وتساعد على إزالة السموم.

ضوء الشمس:-
• مصدر طبيعي لفيتامين D الضروري لصحة العظام والمناعة.
• يحسن الحالة المزاجية عبر تحفيز إفراز السيروتونين.
• يضبط الساعة البيولوجية ويساعد على النوم الجيد.

المناظر الطبيعية الخضراء:-
• تقلل من القلق والاكتئاب.
• تحفز الإبداع والتفكير الإيجابي.
• تشجع على النشاط البدني والمشي.

الأبعاد الصحية للاستشفاء البيئي:-

الفوائد الجسدية:-
• تقوية الجهاز القلبي الوعائي.
• تخفيف الألم المزمن خاصة في أمراض المفاصل والعضلات.
• تحسين صحة الجهاز التنفسي، خصوصًا في مرضى الربو والحساسية.

الفوائد النفسية:-
• تقليل مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر).
• تحسين المزاج العام والشعور بالسعادة.
• دعم الصحة العقلية عبر تعزيز الاسترخاء.

الفوائد الوقائية:-
• تقليل فرص الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط.
• تعزيز القدرة على مقاومة العدوى.
• المساعدة في ضبط الوزن من خلال النشاط البدني.

الاستشفاء البيئي وجودة الحياة:-

تعريف جودة الحياة

جودة الحياة مفهوم شامل يشمل الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى الرضا عن الحياة والقدرة على أداء الأنشطة اليومية.

كيف يؤثر الاستشفاء البيئي؟
• زيادة الحيوية والنشاط: من خلال تحسين النوم، والتغذية، والدورة الدموية.
• تحسين الأداء العقلي: البيئة الهادئة والنظيفة تدعم التركيز والإبداع.
• تعزيز الروابط الاجتماعية: المنتجعات البيئية تشجع على التفاعل الإيجابي بين الناس.
• تحقيق التوازن النفسي: الطبيعة تمنح الإنسان إحساسًا بالسلام الداخلي.

اهم التجارب العالمية في الاستشفاء البيئي

أوروبا
• ألمانيا والنمسا: مشهورتان بمنتجعات المياه المعدنية التي تستخدم في علاج أمراض القلب والرئة.
• سويسرا: تعتمد على المناخ الجبلي النقي في برامج إعادة التأهيل.

آسيا
• اليابان: ابتكرت مفهوم “الاستحمام بالغابات” كوسيلة لخفض التوتر.
• الهند: دمجت الاستشفاء البيئي مع الأيورفيدا واليوغا.

العالم العربي
• الأردن: البحر الميت كمركز عالمي للاستشفاء بالأملاح والطين.
• مصر: واحات سيوة والبحر الأحمر لعلاج أمراض الجلد والروماتيزم.

البعد الاقتصادي والاجتماعي للاستشفاء البيئي:-

البعد الاقتصادي:-
• يسهم في تنشيط السياحة الصحية والبيئية.
• يخلق فرص عمل في المنتجعات والمراكز العلاجية.
• يشجع الاستثمارات في البنية التحتية الصحية.

البعد الاجتماعي:-
• يعزز الوعي البيئي لدى المجتمعات.
• يخلق مساحات للتواصل الإنساني الإيجابي.
• يدعم ثقافة العيش الصحي والنشاط البدني.

الاستشفاء البيئي في المستقبل:-

مع تنامي الاهتمام بالصحة والوقاية، من المتوقع أن يشهد الاستشفاء البيئي توسعًا كبيرًا، خاصة مع دمجه بالتقنيات الحديثة مثل:
• التطبيقات الذكية لمتابعة الحالة الصحية.
• السياحة الصحية الافتراضية.
• دمج العلاج البيئي مع الطب التكميلي

الاستشفاء البيئي ليس رفاهية، بل هو استثمار حقيقي في صحة الإنسان وجودة حياته. فالتفاعل مع الطبيعة يعيد التوازن بين الجسد والعقل، ويمنح الإنسان فرصة للشفاء من آثار الحياة العصرية المرهقة.
وبينما تختلف الوسائل والممارسات من بلد لآخر، تبقى الرسالة واحدة: العودة إلى الطبيعة هي طريق العافية