الطبيعة تبدع في نحت أشكال فنية راقية بصحراء الجزائر

تحولت جبال شامخة أتت عليها عوامل التعرية خلال آلاف السنين إلى أطلال وأشكال مختلفة تتوزع على كامل الصحراء الجزائرية. ويجاري الناس ما فعلته الطبيعة بتلك الجبال ويسمون بقاياها بمسميات مثل الغزال والقنفذ والجمل والفيل والفأر وما إليها. وتتمركز معظم هذه الحيوانات الجامدة في مناطق الأهجار والطاسيلي وهي أكبر وأعظم متحف مفتوح على الهواء في العالم.
وتفيد دراسات أثرية أن المنطقة كانت آهلة بالسكان وكانت في الماضي البعيد سهولا خصبة ومروجا ترعى بها قطعان الأبقار وتنتشر بها حيوانات برية مثل الزرافة ووحيد القرن والفيل وغيرها. ودون الإنسان الذي كان يعمر تلك الأرض برسومه كل الكائنات التي تشاركه العيش في تلك المساحات الواسعة. ولا يوجد مكان في الدنيا يضم ألواحا فنية قديمة على الصخور وجدران الكهوف بحجم ما يوجد في الطاسيلي والأهجار بالصحراء الجزائرية على حد ما قدر الخبراء الأوربيون.
معالم ومسميات
على صخرة كبيرة من بقايا تلك الجبال يقف 'القنفذ' وهو واحد من أكثر الأشكال الحجرية شهرة في صحراء الجزائر. الشكل صورة مكبرة لحيوان القنفذ ويشبهه تماما من حيث مكونات الجسم لكنه جامد في مكانه منذ زمن طويل.
وتعطي تفاصيله انطباعا بأن من صنعه فنان ماهر يتقن النحت وسخر له إمكانيات لا تتوفر لدى أي فنان. حتى أن سياحا من النمسا والسويد أعلنوا أنهم سيشجعون من ينجز تمثالا صخريا بنفس المواصفات ونفس الحجم في أوروبا وسيكون بالتأكيد 'إنجازا فنيا رائعا ' على حد قولهم يمكنه أن يحصد جوائز كثيرة.
ويمتد حول 'القنفذ' محيط من الرمال بمساحة فرنسا وألمانيا معا، تتخلله غابات صخرية لا حد لها توجد وسطها أشكال غريبة تطلق عليها أسماء حيوانات أخرى. فهذا«'الكلب» و ذاك' الجمل وذلك ' الفيل ' و' الأسد' و' الزرافة'. وفي أركان أخرى شكلت بقايا الجبال المنهارة ما يشبه بنايات حديثة وأنفاقا وجسورا وأقواسا ومغارات بأعداد لا حصر لها، أبدع السياح وزوار المنطقة في إطلاق أسماء عليها مثل ' الصومعة' و'القصر العالي' و' قوس الرمال'.
و« الشارع الكبير »وسمى سياح نمساويون وسويديون صخرة منحوتة طبيعيا قرب مدينة جانت' رأس العسكري' لأنها تحمل تقاسيم وجه الإنسان وعليها ما يشبه القبعة. وجاء هذا الاسم عفويا حين التقطت سائحة صورة للتحفة وكان لابد من كتابة اسم عليها لتسجيلها على ألبوم الصور، فاقترح أحدهم هذه التسمية، وهو ما حدث أيضا مع صخرة أخرى سميت ' رأس الأفعى'. وثالثة ' المدينة الصخرية'.
وتتوزع هذه الأشكال في مناطق يقل فيها العنصر البشري لذا حافظت في كثير من الأحيان على عذريتها. ويقصدها السياح الأوربيون خاصة لمشاهدتها بناء على معلومات عن كنوز الصحراء الجزائرية السطحية تماما كما تتهافت الشركات العملاقة على كنوزها الباطنية من غاز ونفط.
أشكال تبهر الناظرينيقف السياح الأوربيون مبهورين أمام منحوتات لم يسبق لهم أن رأوا مثلها ولم يكونوا يتصورون وجود مثل هذا العالم الفسيح المليء بالأضواء والأشكال الجميلة. وقال صحفي ألماني كان ضمن وفد سياحي إلى ولاية إليزي قرب الحدود الليبية ' لو قدم فنان أشكالا كالتي رأيناها في صحراء الجزائر وبتلك الأحجام وتلك الصخور لنال بالتأكيد لقب أحسن نحات لكل العصور.'
وسمى الفترة التي قضاها في تلك البقاع بـ ' رحلة الأحلام' وقال 'إن جانبا من هذه الرحلة لم يكن واقعيا أبدا'. ويلتقط زوار المواقع السياحية في الأهجار والطاسيلي بأقصى جنوب الجزائر عشرات الآلاف من الصور والأفلام سنويا يبث عدد كبير منها على المواقع الكبيرة لشبكة الانترنيت ويكفي أن تكتب اسم ' طاسيلي ' أو ' صحراء الجزائر' أوغيرها مما يرشد محرك ' غوغل' لما تريد لتظهر ليتدفق شلال من الصور بلا نهاية عن تلك المنطقة يتعلق بعضها بالأجسام الصخرية والمنحوتات الجميلة التي صنعتها الطبيعة وبعضها الآخر برسوم الإنسان القديم على الصخور وجدران الكهوف تعود لما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف سنة.