طب بلا إنسانية جسد بلا روح
 
إلى ابنتي دكتوره ريهان في يوم تخرجها والي ابنائي و زملائي شباب الاطباء، الذين يدخلون اليوم ميدان الطب بتخصصاته المختلفة بأحلامٍ كبيرة وطموحاتٍ لا تنتهي، أقول لكم من قلب الحدث ومن قلب اب وأخ علمته التجربة:
احفظوا هذه القاعدة ما حييتُم — الطب بلا إنسانية جسد بلا روح.
العلم قد يجعلكم أطباء ناجحين، لكن الرحمة هي التي تجعلكم أطباء عظامًا.
في زمنٍ يزدحم فيه الطب بالتقنيات الحديثة، والأجهزة الذكية، والتشخيصات الدقيقة، قد تنسون — من حيث لا تشعرون أن المريض ليس ملفًّا ولا رقمًا في النظام الإلكتروني، بل إنسانٌ له خوف وأمل ووجع ولذويه ايضا.
المريض لا يأتي إليكم فقط طلبًا للدواء، بل بحثًا عن الأمان، وعن نظرةٍ صادقةٍ تقول له: أنا هنا لأجلك وبجانبك.
الطب بين التقنية والضمير
لقد تقدّم الطب تقدمًا مذهلًا، وصار في متناول الطبيب أدوات لم تكن تخطر على بال الأجيال السابقة.ولم نكن نتخيلها في بداية ممارستنا للطب منذ ربع قرن من الزمان ولكن وسط هذا التقدّم، هناك خطرٌ صامت يتمثل في تراجع الحسّ الإنساني، وكأن التكنولوجيا حلت محل القلب وطغت المادية في مختلف المهن.
العلم بلا ضمير قد يُنقذ الجسد، لكنه يترك الروح معلّقة بين الخوف والخذلان.
ان الطبيب الحقيقي ليس من يعرف تفاصيل الأدوية فقط ، بل من يعرف كيف يتحدث إلى المريض بصدق، ويستمع إليه بإنصات.
أبنائي الأعزاء :
لا تُقللوا من قيمة كلمة طيبة، أو نظرة حنان، فكم من مريضٍ شُفي بالأمل قبل أن يلمس الدواء جسده، وكم من آخر مات من القسوة قبل أن يقتله المرض.
إن الرحمة ليست ضعفًا.. بل إن قوة الطبيب الحقيقية
الرحمة ولا تتعارض أبدا مع المهنية، بل هي تاجها.
إن لم تضعوا قلوبكم في مهنتكم، فستصبحون مثل آلةٍ تعالج الجسد وتترك الروح في العتمة.
فكونوا كما أراد الله لكم، وكما وصف نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم:
> "من لا يَرحم لا يُرحم."
تذكروا دائمًا أن المريض حين يدخل عيادتكم، يكون في أضعف حالاته، ينتظر منكم يدًا تمسح عن قلبه الخوف قبل أن تكتب له الدواء.
كونوا رحماء، فالله جعل الطب مهنة رحمة قبل أن تكون مهنة علاج.
من واقع التجربة:
من خلال سنوات عملي في الميدان الطبي، ومن رحلاتي إلي عدة بلدان في أوروبا وآسيا وأفريقيا، رأيت المرض في أشدّ صوره قسوة، لكني رأيت أيضًا أن الكلمة الطيبة تُحيي الأمل، وأن الطبيب الذي يشارك مريضه إنسانيته، يُحدث في قلبه شفاءً لا يُقاس بالتحاليل ولا بالأجهزة الحديثة
كنت أرى المرضى يبتسمون رغم الألم، فقط لأن الطبيب اقترب منهم، لا كعالمٍ يشرح حالته ، بل كإنسانٍ يربت على وجعهم ويخفف من الامه ويطمئن محبيه واسرته.
عندها أيقنت أن الرحمة تُداوي ما لا تداويه العقاقير.
الطب رسالة لا تجارة:
تذكّروا يا شباب، أن الطب ليس تجارة، بل ميثاق شرف بين الله والطبيب
أبنائي الأعزاء : لا تغتروا أبدا فقد تُغري البعض منكم الشهرة أو المال، لكن لا تجعلوها بوصلتكم وهدفكم الاساسي.
فالمريض ليس زبونًا، ولا الألم سلعة، ولا الشفاء صفقة عاملوه كأنه أحد أفراد أسرتكم كاب أو أخ أو أخت أو ابن.
أن الذي يجعل هدفه الربح، سيخسر روحه وإن ربح جيبه،
ومن يجعل هدفه الرحمة، سينال رضا الله ومحبة الناس وبركة العمر.
العلم والرحمة جناحان للطبيب الكامل
العلم وحده لا يكفي: بكل صدق وجدت أن الرحمة وحدها لا تعالج والعلم وحده لا يكفي ، لكن حين يجتمعان في قلب الطبيب، يولدان شفاءً حقيقيًا.
احرصوا أن تظلوا دائمًا طلاب علم، ولا تنسوا أبدا أن تكونوا طلاب رحمة.
فالعلم يُوجّه يد الطبيب، أما الرحمة فهي التي تُوجّه قلبه وبكل دقة.
يا شباب الاطباء ومشاعل الرحمة ،
لا تسمحوا للروتين ولا لضغط العمل أن يُطفئ إنسانيتكم.
كل مريض تلتقونه هو اختبار لرحمتكم قبل علمكم.
ابتسامة واحدة، أو كلمة دعم، أو لمسة حنان، قد تغيّر حياة إنسانٍ إلى الأبد.
إن الناس لا يتذكرون الطبيب الذي كتب الوصفة بدقة، بل الذي منحهم شعور الأمان وسط الألم.
كونوا ذلك الطبيب، 
الطبيب الذي يشفي بالحب كما يشفي بالعلم،
فالطب بلا إنسانية... جسد بلا روح، ومهنة بلا معنى
 
 
 
 
 
 
.jpg) 
 
 
.jpg) 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
.jpg) 
.jpg) 
