فريق التمريض الافريقي شعلة الرحمة منذ فجر التاريخ ...
 
خلال زياراتي الإفريقية المتعددة، سرّني العمل مع نخبة من مشاعل الرحمة من الممرضين والممرضات، الذين جسّدوا أسمى معاني الإخلاص والتفاني رغم قلة الإمكانيات. لقد رأيت فيهم نموذجاً مشرفاً للإنسانية والعطاء الصادق، فهم يعملون بصمت وإيمان لخدمة المريض وحماية الحياة في أصعب الظروف..فلهم مني كل تحية وتقدير وإجلال
تُعدّ مهنة التمريض من أعرق وأنبل المهن الإنسانية التي عرفها التاريخ، وقد ارتبطت منذ فجر الحضارات برعاية الإنسان وصون حياته، حيث كانت المرأة أول من مارس فن العناية بالمريض والمسن والطفل. فقبل أن تُنشأ المدارس الحديثة للتمريض، كانت النساء في البيوت والقبائل والعشائر يقمن بدور الممرضة بالفطرة، يسهرن على تمريض الجرحى وتوفير الدفء والرعاية في أوقات الحرب والمرض والمجاعات.لقد حملت المرأة عبر العصور رسالة العطف والرحمة، وهي السمات التي شكّلت جوهر مهنة التمريض. ففي الحضارات القديمة كالمصرية والآشورية والإغريقية، وُجدت نساء يُعتبرن بمثابة “الوصيفات الممرضات” يتولين مداواة الجرحى وتحضير الأعشاب الطبية. وتذكر النقوش الفرعونية أن الكهنة والأطباء كانوا يعتمدون على مساعدات من النساء يعقمن الأدوات ويعنَين بالمرضى داخل المعابد العلاجية. ومع الزمن تطوّر هذا الدور ليصبح أكثر تنظيماً ومعترفًا به اجتماعياً.وفي العصور الوسطى، ظلّت المرأة تمارس التمريض في الأديرة والمصحات، حيث جمعت بين الرعاية الروحية والجسدية للمرضى. وكانت الممرضات يُنظر إليهن كرمز للتضحية والخدمة الإنسانية. ومع بدايات القرن التاسع عشر، أسست فلورنس نايتنغيل النموذج العلمي الحديث للتمريض بعد تجربتها في حرب القرم، فأصبحت القدوة التي ألهمت نساء العالم للانخراط في هذه المهنة النبيلة.أما في إفريقيا، فقد ارتبطت مهنة التمريض بتاريخ القارة النضالي والاجتماعي. فقد واجهت المجتمعات الإفريقية منذ عصور الاستعمار وما بعدها تحديات صحية كبرى، من أمراض معدية وأوبئة إلى فقر وضعف البنية الصحية. هنا برز دور الممرضات الإفريقيات بصفتهن العمود الفقري للقطاع الصحي. ففي القرى والمناطق النائية، كانت الممرضة غالباً هي المعالج الأول والوحيد الذي يزور المرضى، تقدم اللقاحات، وتعالج الإصابات، وتساهم في التثقيف الصحي والوقاية من الأمراض.وقد حملت الممرضات الإفريقيات أعباءً مضاعفة في ظل نقص الموارد والمستشفيات، لكنهن قدمن أداءً بطوليًا في مواجهة أمراض مثل الإيبولا، والملاريا، وفيروس نقص المناعة البشرية. فقد كانت الممرضات في العديد من الدول الإفريقية خط الدفاع الأول، يقدمن الرعاية والمشورة، ويخاطرن بحياتهن في سبيل حماية المجتمعات. كما أسهمن في حملات التوعية والتعليم الصحي، وفي خفض معدلات وفيات الأمهات والأطفال، مما جعل دورهن أساسياً في تحقيق أهداف التنمية الصحية بالقارة.وفي الوقت الحاضر، تزداد أهمية المهنة مع نمو الأنظمة الصحية في إفريقيا وتزايد الطلب على الكفاءات التمريضية. فالممرضة الإفريقية ليست مجرد مقدمة علاج، بل هي ركيزة للتنمية المستدامة، تساهم في بناء وعي مجتمعي صحي، وتدعم حقوق المرأة في العمل والتعليم والخدمة العامة.منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، ظلت مهنة التمريض للإناث عنوانًا للرحمة والمسؤولية الإنسانية، يجمع بين العلم والعطاء، بين الحنان والكفاءة. وفي إفريقيا، تقف الممرضة رمزًا للأمل في وجه المعاناة، وجسرًا يربط بين الإنسان والحياة الكريمة، تأكيدًا على أن التمريض ليس مجرد مهنة، بل رسالة إنسانية خالدة.
 
 
 
 
 
 
 
 
.jpg) 
.jpg) 
.jpg) 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
.jpg) 
.jpg) 
