هلاك النفس فيما تشتهي

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)
قال ابن عباس والحسن وقتادة : ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه . وقال عكرمة : أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنه ، فإذا استحسن شيئا وهويه اتخذه إلها . قال سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر ، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر
وللضلال أسباب كثيرة وعوامل، حسبما تجري به سنة الله في عباده من ترتيب النتائج على مقدماتها واتباع المسببات لأسبابها، وقد تكون هذه الأسباب والعوامل فكرية، أو نفسية، أو أخلاقية، وقد ترجع إلى التأثر بالوراثة أو البيئة او النشأةاو الظروف المصاحبة لها أو طبيعة الحياة التي يحياها صاحبها أو غير ذلك من الأسباب والعوامل فمن ينشأ في مجتمعات تتمتع بالتحرر تجد انه يألف ويعتاد ما لا يألفه ولا يعتاده غيره فيكون متوافق مع نشأته اوالوسط الذي نشأ فيه
قال - صلى الله عليه وسلم - : ثلاث مهلكات وثلاث منجيات ؛ فالمهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه . والمنجيات : خشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر والعدل في الرضا والغضب وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - : إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله وعلمه ، فإن كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء ، وإن كان عمله تبعا لعلمه فيومه يوم صالح وهكذا يتبين لنا بجلاء أهمية الهوى، وإن الوقوع في ذلك وقوع في الضلال وبالتالي الوقوع في الفساد الشامل للسماء والأرض ومن فيهم كما قال تعالى "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ" (المؤمنون: 71)
وترى الذين من الله عليهم بانضباط اهوائهم وسلامة مقاصدهم وتوسطهم فيما يحبون بلا مغالاة لهم الناجون من هذه الصفة والابتلاء العظيم
انت ترى هذا النموذج بيننا الان بين المتسلقين وارباب السياسة فتجدهم يتلونون بكل لون وياكلون علي جميع الموائد حسب ما تقتضيه مصالحهم ويتوجهون حيث تتوجه الريح
هذه النماذج الغريبة الضارة للمجتمع جدا والتى قد ينظر لها الشباب انهم من القدوة او المشاهير فهم لبقون الي حد بعيد جدا فيؤثرون في السامعين بشكل يفوق امكانياتهم ومواهبهم فبتملقهم يقنعون اشباههم من اصحاب السلطة فيستامنونهم لمعرفتهم بعللهم فيستخدمونهم كاستخدام المناديل الورقيه
ان الحق واحد ثابت، والأهواء كثيرة متقلبة، وبالحق الواحد يدبر الكون كله فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة، ولو خضع الكون للأهواء العارضة والرغبات الطارئة لفسد كله، ولفسد الناس معه، ولفسدت القيم والأوضاع، واختلت الموازين والمقاييس، وتأرجحت كلها بين الغضب والرضى والحب والبغض والرغبة والرهبة والنشاط والخمول وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات، وبناء الكون وبما فيه الإنسان يحتاج إلى الثبات والاستقرار والاطراد على قاعدة ثابتة، ونهج مرسوم لا يتخلف ولا يتأرجح ولا يحيد
وتجد المتبعون لهواهم وتقلباتهم يعانون في حياتهم أشد المعاناة وتجدهم لا عهد لهم ولا كلمة يختلقون الكذب كما يتنفسون يعدون ولا يوفون ويقولون ولا يفعلون وفسادهم في اوساطهم واضح لا ريب فيه نعوذ بالله من ذلك ونسال الله ان يعيننا علي انفسنا ويؤدبنا ادب العبيد الي ربهم قال الشاعر
إن الهوى لهو الهوان بعينه فإذا هويت فقد كسبت هوانا
وإذا هويت فقد تعبدك الهوى فاخضع لحبك كائنا من كانا