في حب السودان

من المؤكد أن كل من زار السودان لا يغادره إلا وقد خلقت له روح تعشق هذا البلد وإينما ذهبت أو توجهت بعيداً عنه يصبح السودان هو قبلة اشتياقك وذكرياتك التي تتوق إليها وإلى زيارتها كلما سنحت لك الفرصة
فالسودانييون بكرمهم الأصيل وطيبتهم لا يتركون تواصلهم معك مهما مرت الأيام والسنين يسالون عنك ويهنئونك بالأعياد ولا يتركون صاحبهم مهما مرت الأيام
كنت وأنا طفل صغير استمع إلى أعمامى الذين ذهبوا للعمل في الماضي إلى السودان يتحدثون عن الأصالة والكرم والطيبة والإيثار وحميمية العلاقات بينهم وتكاتف أبنائهم في الغربة بشكل نادر
حتى زاملني في دراستي الثانوية أحد الطلبة السودانيين، والحق أني وجدت فيه رغم سننا الصغير حينها كل ما سمعته عن أهل السودان حتى إنني دعوته إلى زيارة بلدتي ( أبومناع ) بمحافظة قنا في الصعيد فلبى الدعوة مشكوراً وتشرفت باستضافته وكنا حينها ندرس في المرحلة الثانوية في أسوان
وحين كنت أعمل بدولة الإمارات بمؤسسة لوتاه العريقة في العام 2009م كلفت بعمل في السودان فسعدت بذلك جداً ووجدتهم كما كان يتحدث عنهم أعمامي تماماً
زاملت وصادقت أفراداً وعائلات كاملة وما وجدت منهم وإلى الأن إلا كل الخير
من كل شيء يظل عالقاً في ذهنك وقلبك ناس السودان بكل تلك الطيبة والنقاء ، نيله،( جبنته)قهوته وكل تلك التفاصيل الصغيرة التي كانت تشعرني بالارتواء منها ويملؤك الأمان وتحب فيها الناس والعيش مع الناس
سلو من غادر السودان بعد أن زاره عن انطباعه عن زيارته وأهله، فلن تسمع إلا الثناء على السودان وبساطة أهله بغض النظر عن موطنه عربياً أو آسيوياً أو أوروبياً، فذكرياته في أرض النيلين ستعجب لها ومنها
إن حدثتك عن طبيعتها الخلابة ونيلها وجوها وتراثها الذي أعشقه والبساطه في كل شيء وأهلها أصحاب القلوب البيضاء فلن يكون مبرراً لهذا القدر من الحب الذي اكنه لهذا البلد العظيم.
لكن ثمة شيء يصعب وصفه كلما سالني أهلي أو أصدقائي عن سر هذا الحب الذي زُرع فيا وذاك الانتماء الذي أحياه لهذا البلد وأهله أكثر من غيرهم حتى إن أحد أصدقائي وهو سوداني فسر ذلك بأن صرار( من الصرة ) الدكتور المناعى مدفون في السودان – والحق أنهم يستحقون تقديري ومحبتي وأكثر من ذلك
وأذكر أنه ذات مرة دعاني زميل سوداني لتناول الإفطار بمنزلهم في رمضان ولبيت الدعوة سعيداً بها حيث تعرفت خلال هذه الليلة على والده رحمه الله وفي حوارنا تطرقنا للطب وتخصصي وكان يحدثنى عن معاناته حين ذهب لمصر للعلاج وعاد غير سعيد بما رأي وعدت للفندق أبحث عن حل للقضية التى تجاذبنا الحديث حولها ولم أنم ليلتها إلا بعد أن وضعت خطوطاً عريضة لمشروع بدأته من ليلتها وهو السياحة الصحية والذي تعمقت فيه خلال هذه السنوات بفضل هذا الرجل السوداني رحمة الله عليه فكان سبباً حقيقياً في توجهي لهذا التخصص وما أبليت فيه
لقد رأيت بعيني احتكاك سيارة أحدهم بالآخر أو احتكاك ركشة ( تكتوك) بسيارة فتجد تمتمات بسيطة تصدر من أحدهما لا ترقى إلى الشجار وتسمع الطرفين ( الحمدلله – عديلة) وأحياناً ينصرفان بلانقاش
لا يوجد على ظهر الأرض تكاتف اجتماعي مثل السودانيين فترى السوداني الشخص الوحيد إذا سافر إلى أي دولة عربية أو أوروبية لا ينزعج بسبب كيفية إقامته في الفترة الأولى لأنه إذا كان فقط يعرف أحداً سودانياً وليس من الضروري أن يكون من أقربائه فسوف يستضيفه بلا ملل حتى يرتب أوضاعه وأموره
ورغم تعدد و اختلاف توجهاتهم أو حتى اختلافاتهم السياسية إلا أن تلك القيم وهذا الترابط والحميمية فيما بينهم لم تتأثر كما حدث في بلاد أخرى
وإذا مرض أحدهم مثلاً واستدعى الأمر سفره للعلاج في الخارج فتجد الأسرة والأصدقاء يجمعون من أموالهم ما يساعد في نفقاته ( الحوجه ) وإذا بدأ الشاب في استعدادات الزواج فتجد أصدقاءه وأقرانه ( الفرد) يتعاونون معا على جمع أموال تعينه في نفقات الزواج المكلفة جداً بسبب أن العريس يتولى تجهيز بيت الزوجية 100% له ولعروسته
السوداني كريم مع أهله وأقربائه وضيوفه بنفس القدر يتقاسم معك الخبز والملح
ويذبح لك الذبيحة مسروراً بقدومك وقد لا يكون موسراً لكن أصالته تدفعه إلى ذلك إكراماً لك
من أشكال الكرم التي حدثت معى حين أنزل ضيفاً يذبحون ذبيحة أو اثنتين أو أكثر أمامك ويطلبون منك المرور عليها (تطفير الكرامة)إكراماً لك وابتهاجاً بقدومك، وحين تصادف زيارتك رمضان فتجدهم يضيفونك مرات خلال الشهر الكريم – لايبارى السودانيون في الكرم إلا السودانيين أنفسهم ومن مقولاتي أبحثوا عن أصل حاتم الطائي ستجدونه سودانياً
كلامي عن السودان يحتاج أياماً وأياماً لإعدد ذكرياتي وأفضال شخصيات عليا شخصياً فارقتنا أجسادهم ولا تزال ذكراهم العطرة على لساني وأناس بيننا الأن لا يزالون يكرمونني بكرم لم أجد شبيهه وليس الكرم المأكل والمشرب لكن أمور ومواقف أكبر من ذلك بكثير
ومما ألمني ولا زال ما يحدث هنا الأن وأنا أكتب خاطرتي من بورتسودان الشقاق والاختلاف بين الأشقاء والفتن التى حدثت خلال الأشهر الثمانية الماضية أسأل الله رب العرش العظيم أن يحقن الدماء وأن يعم السلام أرض السودان الشقيق وأن يبدل حالهم إلى أحسن حال يستحقه هذا الشعب الكريم الأصيل الطيب