عندَمَا يَفقِدُ الحُبُّ قدسيته
.jpg)
من أسوء ما يمكن ان يحدث في العلاقات العاطفية هو أن يفقد الحب سكينته ورهبته وقدسيته ، فيتحول من علاقة جميلة إلى عدوان منزوع الرحمة. إذا اعتقد الانسان أن الحب محصور باطار العلاقة الجنسية فقط، يقيمها مع محبوبه دون أن يقترن بالمودة والمحبة ؛ فقد أساء فهم هذه العلاقة، وأتاها من حيث لا يجب، فأصل الحب أن تطمئن بجوار محبوبك، وتسكن جوارحك بحضرته، وفي قربه وتألف غير المرغوب إن هو رغبه حبا ومجاملة ممنونة له ، فتمتزج الأرواح بصفاء وشفافية، وتسمو فوق قمم الرحمة الي درجات من السمو الروحى الذي يفقتد التأمل فيه الكثيرواحيانا يفرغونه من محتواه الروحى الراقي الي الشكل المادى النمطى المملل
لكن عدوان الحب قد يغيّر المعادلة، فتخرج العلاقة من صورتها البهية إلى صورة أخرى مغايرة، فتصبح الأرواح متنافرة متلاعنة باشكال غير متوقعة من الكره والغبن، وليس حبًا ما بني على المصلحة المادية واللذات الجسدية فقط دون غيرهما باى حال من الاحوال
قد يحدث الارتياح والطمأنينة والسكون بين طرفين من "النظرة الأولى"،هذا متوقع وممكن جدا لأن بتلك النظرة الأولى يحس المرء بمناسبة الاخر لحالته النفسية اولا واندماج الكيمياء بينهما والتوافق في شحنات الروح التى هى بيد الله يقلبها كيف يشاء
وتتولد نواة المحبة الفطرية فيما بينهما في انسجام غير مفتعل من احدهما ومن ثم يتولد الامان والاستقرار النفسي ومع الايام قد تأتى الرياح بما كان الطرفان او احدهما يأمله ويهواه متجهة بهما الي درجات ارقي وارقي في ملكوت الله القدير دون ان يكون لهما اى سلطان في ذلك
لكن اذا اعتقد احدهما ان النظرة الاولي هى اعمق درجات العشق والهيام والانس فان المرء قد يحب ويرتاح الي مظهر خارجيً، ويحيّد المضمون من عشقه، فيكون بذلك مجرد علاقة جوفاء فارغة لا معنى لها، تنقضي بانقضاء الحاجة المادية، ومن ظنَّ أنه هائم بمعشوقه حد الجنون دون أن يشعر بهيبةٍ تسقط أمامها كل كبرياء؛ فإن العشق -والحال كذلك- بلا سكنٍ ولا اطمئنانٍ مجرد عدوان يُعتدى به على من المحبوب، فإن وجد صاحب هذا التصور نهمه في غير محبوبه ألقى به على هامش الحياة، أو ربما ألقاه إلى العدم حيث لا اعتبار ولا شعور
وكما للعشق مراتب، تبدأ بالهوى وتنتهي بالهيام فأيضًا للقسوة مراتب، وأعلاها عدوان الحب، وهو أشد مراتب القسوة إيلامًا، إذ تبدو في ظاهرها علاقة جميلة، لكن في حقيقتها مجردة من أي جمال باى حال من الاحوال وان بدا غير ذلك
حينها فقط سيتحول الحب إلى عدوان، بسبب تحطم سفينة الامان وتمزق شراعها وانحراف بوصلة اتجاهها بسبب ما بنى من اوهام ووعود غير صادقة ونكوص احدهما عن الوعد والعهد وهو ما لا نتمناه ابدا وحينها تتحطم بسببه القلوب والأسر والمجتمعات، وليس عدوانًا مجرد، بل مشبعٌ بالقسوة والالم وكسر الخاطر الذي هو اشد واصعب انواع الجرم علي ظهر الارض ، ربما يبدو الأمر متناقض، لكن حقيقة الحب ما يتضمن الرحمة، والرحمة نقيض القسوة، فالحب أشمل وأوسع من الرحمة ومتضمن لها، بينما الرحمة لا تتضمن الحب، قد ترحم من لا تحب، لكن لا يمكنك أن تحب من لا ترحمه
قال تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، علل سبحانه الحكمة من مشروعية الزواج بالسكن والمودة والرحمة، ولم يكن للحب مكان في هذا التعليل، لأن السكن والمودة والرحمة تتضمن معنى الحب، ولأنها أعمق وأشمل من معنى الحب